مشرحة وبني سويف

صديقي،اليوم السبت 29 من شهر مارس الكئيب،اليوم كنت في المشرحة،والسبت الماضي كنت في بني سويف،والله وحده يعلم أين سأكون السبت القادم؟
السبت الماضي كنت مع موعد للذهاب لبني سويف،لتصوير أفقر قري مصر كما قال عنها تقرير احصائي من وزارة التخطيط،وحضّرت نفسي لمشاهد مأساوية،وتخيلت البيوت في بلدنا،والناس المريضة التي لا تجد حتي سقف لها.
كنت أخبرت المحرر ان طريق الصعيد يبدأ من عند بيتنا،لكنه قال انه لا يعرف،وكان لابد لي أن اقابله في المنيب،استيقظت الساعه 5 والنصف،صليت الفجر وتوكلت علي الله،وقبل أن أصل للمنيب حادثته علي التليفون
وأخبرته انها مجرد دقائق وسأكون في موقف الميكروباصات الموعود،فأخبرني أنه في الطريق،لكنه فقط أخذ منه نصف ساعة،فيها كان تليفونه مُغلق ولا يرد،وأنا أكثر ما أكرهه هو الانتظار في الشارع،بين تحشرات،وبين أُناس ينظرون لك بطريقه غريبة،لكنه ظهر أخيرا كما بدر التمام،وذهبنا لكي نركب المواصله حتي بني سويف،لكن الموقف في حالة عبثية رهيبة لم أري مثلها قبلا،فكل سائق يقف عند بوابه الموقف،يصطاد زبون ما،يخبره كذبا انه لم يتبق الا راكب واحد،فيذهب ليجد راكب واحد في العربة،وينتظر وينتظر،وكذا نحن،انتظرنا اكتر من ساعه الا ربع،ركب فيها رُكاب يملئون ثلاث عربات،لكن حكمه ربنا.
بعد أن انطلقنا أخيرا،وبعد مرور نصف ساعه،ممرنا من أما منطقه منزلي،وأشرت للمحرر،ألم أكن أنا أولي بالثلاث ساعات التي أخذتها من بيتي حتي أعود لبيتي؟
وصلنا بني سويف،حيث ينتظرنا محرر أخر يسكن هناك فعلا،ووجدنا أنفسنا مًضطريين أن نركب مواصله أخري،لنصل لقرية بجانب القرية المنشدوة،ولما ركبنا ونزلنا،ركبنا مرة أخري،أخطأت للحظة وظننت أن هذه هي رحلتنا،مجرد مواصلات!
لكنا وصلنا أخيرا،وبأدنا نتحدث مع أصحاب المكان،أطفال في كل مكان حولك،ووسيله تنقلهم هي الحمار،تبدو كقرية أصيله في أي مكان في مصر،أعتقد أن المنوفية بها مثلها.تجولنا بها،ذهبنا حيث الجمعيه الزراعية للقرية،وتجولنا في حواريها الضيقه،قرية صغيرة كانت،صورت البنات والسيدات،يبدو عليهم الخجل قليلا،ثم تتكلم معهم يبتسمون،حتي الحاجة وردة،سيدة كبيرة جدا في السن جالسه علي قارعه الطريق،كل ما أُخبرها انها جميلة،تضحك وتقول لي انتي الي قمر.
الشمس أصبحت حايمة أكثر من اللازم،وكُنا قد أنهينا مُهمتنا هنا،وكان لابد أن نرحل اذا ما أردنا ان نصل القاهرة قبل الظلام.
مشينا قليلا حتي نصل لطريق كي نركب مواصله،ولم نجد الا عربه نصف نقل مفتوحة،وجلسنا مثل عمال التراحيل،كنت ألتقط الصور بعيني،لم أستطتع أن أتماسك وأن اُصور،وصلنا الي المكان المنشود،فقط لكي نركب توك توك،غالبا لا تعرفها انت يا صديقي،هي وسيلة مواصلات من ثلاث عجلات،قادمة من الهند،وانتشرت كما الذباب في كل مكان.
ونزلنا من التوك توك الا لكي نركب تاكسي حتي بيت المحرر الذي أصرّ أن نذهب لبيته ونقابل عائلته،كانت والدته جميلة جدا،وقابلتنا بكرم شديد،وأكلتنا محشي بيتي،ثم عصير،وكأننا كنا في الجنه أو اقرب ما يكون،حتي حان وقت الذهاب،ركبنا الميكروباص،وانتظرنا أن يكتمل،ولم أتمالك نفسي الا ان أنام في منتصف الطريق كالعادة،وكنت مُرهقه فوق العادل،لكن ليس بالقدر الكافي لكي استقبل الخبر الذي اتصلت بي والدتي لتُخبرني به؟،يجب علي ان أذهب لبيت جدتي حيث التجمع العائلي،فتخيل صديقي،أنزل من بيتنا الساعه السادسه صباحا،لكي أصل الساعه الثامنه ليلا،الي بيت جدتي،وأجلس معهم القليل ونتحدث.
أما اليوم فكان يوم المشرحة،ولا يوجد مرة ذهبت الي المشرحة الا ورجعت بوجع في قلبي،بالأمس قُتل 6 أشخاص في المظاهرات،قُتل 6 أرواح بلا ذنب،ولما كنت في البيت،قرأت عن ميادة محررة مصرية لم تكد تبلغ الثانية والعشرون،وقُتلت بالأمس،لم أستطتع ان اتجاهل الشبه بيني وبينها عندما رأيت صورتها،ثم أكشتفت صباحا انها من المنوفيه في الأصل.
تبدو كمصريه عاديه،لها كثير متشابهات،صباحا اتصل بي ا مجدي لكي أذهب للمشرحة،وانت لا تتخيل كيف يكون هذا وقعه علي قلبي،وكان أول رد فعل بالمنديل الذي أمسكه بيدي،مسحت الروج من علي شفايفي،أضع لمسه روج خفيفه صباحا،أنت تعلم انه يرفع من روحي المعنويه،وكذا بمجرد أن أفطر يروح أثره،لكن ولسبب ما،مسحته وأنا في المترو،ونظرت لملابسي المُلونه،وبدأت أقرأ أدعيته المُعتادة،ونزلت محطة السيدة زينب،وسرت منها حتي المشرحة وأنا أري أُناس يتشحون بالسواد قادمين في اتجاهي،فتمنيت من قلبي أن يكون كل شيء انتهي وألا يوجد شيء بعد لكي أُصوره.
وقد كان،وصلت ولم أجد أحد منظر،تنهدت تنهيده ارتياح،وكلمت المحررة وكانت قادمه في الطريق،فأخبرتني أن أنتظرها،وفعلت،سمعت أبدا تحنّ اليكم الأرواح،وأنا أُفكر كثيرا،كيف يكون حكم الله في حياتنا.
وصلت المحررة،وصعدنا للدكتور بالأعلي ولم يكن موجود،فقررنا أن نرحل،مشيا حتي الجريدة،لم تكن بعيدة ولا قريبةة كذلك،تكلمنا كثيرا،عن العمل والحياة.
وحتي اذا ما وطأت بقدمي أول شارع الجريدة،حتي كلمني زياد يقول،أنه يجب علي ان انتظر عند المشرحة،فهناك ما سوف يحدث،لم أُصدق.
صعدت مع المحررة،ووجدت مصور زميل يكتب علي الفيس بوك أنه ذاهب هناك،فعرفت انه فعلا سوف يحدث شيء.
ذهب صبري لمؤتمر وذهب زياد للجامعه،وكان دوري،نزلت مرة أخري وركبت المترو،ومشيت نفس الخطوات مرة أخري،مُثاقلة القلب.
ووصلت ووجدت أُناس ينتظرون،بنظرات ساهمة لا تري حياة،أم انها كانت تبحث عن حياة؟
المهم اني قرأت أدعيتي وأمنت ربي عليّ،وجدت الدبيس،زميلي من الوطن،وقفت معه،كانت المشرحة كما هي الحالة المعتادة،تفوح منها رائحة الدم،وينتشر الكلام بالأسود علي حيطانها الصماء التي غالبا قد رأت كثير،حاولت أن أفهم التركيبة،من مع من؟
هناك أُناس يجلسون علي الرخام الساقع شمالا يبدو كنوع المصريين العاديين،وبجانبهم بقليل سيدات بالأسود،مقابلهم وتحت خشب معروش،أتخيل انه كات زهره من بشع المكان،يجلس تحته شباب وبضع السيدات،وبمجرد أن دخلنا في حيز المكان،الا وهناك صندوق يخرج يحمله شباب،أكبرهم أعتقد انه لا يتجاوز السادسة والعشرون،بدأنا نتسائل من هؤلاء؟وما الجثمان الذي ننتظره؟
عرفنا ان هناك فتاه بلغت الاربع وعشرون تُدعي ماري جرجس،قُتلت أمس،وقالت قريبتها الواقفه انها كانت تسير بعربتها وجاء حظها علي خط المسيرة وكانت لابسه لحلق عليه صليب،فقُتلت طعنا،احساسي الداخلي يرفض هذا،ولا اعرف الحقيقة.
وكان هناك بجانبهم ناس يبدو عليهم أنهم اخوان وقد كان،ينتظرون قتيل لهم،غير الشاب الذي قُتل في منطقته في حرب بين تجار مخدرات ولا علاقه له،ثم كان الشاب الصغير كريم،الذي قًتل بالأمس أيضا في نفس المكان،للحظة تخيلت أن الحياة أصبحت تحت التراب،وهنا النار أم ماذا؟
الجميع يموت ويخرج في صندوق أصم لا صوت فيه ولا حياة،كلنا وكلهم،لماذا التقاتل اذن؟
تعرف كم نكون حذرين في المشرحة؟هؤلاء ناس مات لهم قريب،لن يتقبلوا الصورة بسهولة،خرج نعش وظننا انه هو المنشد.
فرفعنا كاميراتنا وصورنا،لكنا وجدنا من هو قادم من بعيد بصوت عالي،ماذا تفعلون،بتصوروا ايه؟
وقفت مع المصور زميلي ولم أتزحزح،ولحسن حظنا أن الدبيس كان قد تكلم مع أخو الشهيد،فجاء دافع عننا،فهدأ هذا الرجل.
لكني دائما ما أتخيل أن نهايتي،أو اللحظة التي سأًضرب فيها ستكون غير متوقعة.
ربنا سترها هذه المرة،خرج كريم صورناه،ورحل.
بقينا ننتظر ماري،لكنا كُنا بضهور مكشوفه،فقد ذهب من دافع عننا.
وقبل أن يخرج الجثمان بقليل،بدأت السيدة الهادئة بالنواح وتُنادي ماري،وماري ليس لها اجابة.
بقيت مُتأثرة ولم أستطع أن أُصورها.
خرج الجثمان،صورناه ورحلت ماري.
ياالله،بلدنا أصبحت قاتله،لا مكان الا وبه دم،ولا ذكرى الا ولها صله بالدم،ولا موقف يمر الا ونتذكر شخص رحل عنا.
رجعت أدراجي للجريدة مُرهقة نفسيا وجسديا وعقليا،لا استطيع ان اقول اني كنت فرحة بالصور،لكنها كانت اول مرة من مشرحة أرجع بأكثر من 30 صورة،كانت معجزة،تقلصوا الي 10،وحمدت ربنا.
كان معي أموال لجمعيه تُعالج مصابين من 28 يناير،تخيل يا صديقي انه ما زال مصابين من 28 يناير 2011 مازالوا يُعانون ومنهم من يحتاج علاج غالي جدا ولا يستطيع.
اسأذنت صبري أن يأتي معي،وتمشينا في وسط البلد وكانت الخطة أن نذهب للجمعية ومنها للنقابة حيث وقفة احتجاجية علي قتل ميادة.
ذهبنا ودفعت الاموال البسيطة،من يعلم؟فقد يرحمني ربي بها.
تمشينا حتي النقابة،ومن أول الشارع،كنت فرحه بالعدد من البُعد يبدو انها ستكون حافلة.
لكني اُصبت باحباط كما كل مرة،وصلت وهناك أصوات زاعقة تُطالب بألا تصوروا،ولم أفهم،كيف تكون هذه وقفه للمصورين والصحفيين وهناك من يطلب الا نصور؟
وقفت قليلا،وجدت أصدقاء،سلمت عليهم،يبدو الوجوم علي الجميع،يبدو أننا جميعا رأينا أنفسنا في ميادة،فتاه بسيطة لها طموحات مثلنا،وكانت في مسيرة تُغطتي من أجل عملها مثلنا تماما.
لكني لم أستطتع الأستمرار في المشاهدة السلبية،فقد بدأت أصوات تعلو،وهتاف يغضب بعضهم.
قررت أن أرحل،وفعلت،ذهبت لبيتنا العزيز،ولم أفعل شيء سوي أن أسمع أغاني مختلفة،وأدعو دعاء ابي الدرداء كل فتره.
ما شاء الله كان،وما لم يشأ لم يكن.
بتمني في يوم أأقدر أصل للدرجة التي تجعلني أتوقف عن القلق من أجل كل تفصيله صغيرة.
فقط أتركها علي الله كما أقول.
هل تعتقد أني أستطيع النوم اليوم؟،أم أن رائحة الموت ستأتيني في أحلامي؟ 

Comments

Popular posts from this blog

بلورة

monoprint 3

السنه الجديده