استفتاء

صديقي،أجلس وحدي في غرفه والدي،أستمع لموسيقي حزينة يبثها جرمافون علي مايبدو ليّ خاصه دون الناس،أُحاول أن استجمع كلماتي وما قد احكيه لك من ساعات،ولا أجد أفضل من الصمت،ماذا احكي لك؟كيف أحكي لك؟،هل أبدأ من النهاية؟أم ان انتهي من البداية؟،مع أن كلاهما سواء صديقي.
نبدأ من النهاية اذن،أجلس وحيدة في منزلنا،أغلقت باب المنزل بالمفتاح،أغلقت الشبابيك،وأنرت غرفه اخوتي،دائما ما أتخيل أحدهم يرصدني،وأنا أبعث رساله للعالم الخارجي لستُ وحدي،مع اني وحدي.
أشعر بأني خرساء،لا أتكلم،وان كنت كلمت القطه اللطيفة التي تقف علي عتبه منزلنا،لا تري أنت الصور التي اُصورها لها،فمجرد أن رأيتها علي الباب،ابتسمت لها،وبدأت حوار طبيعي معها،"ازيك يا قطه يا جميلة؟عامله ايه؟،أنا هادخل اقعد لوحدي في الشقه،عارفة لو كان ينفع؟كنت دخلتك معايا،وونستيني"،كنت أبحث وقتها علي المفتاح،وكانت نظراتها تُتابعني،وعندما أعتذرت منها،نظرت لي نظرة مُتفهمه،لماذا يا صديقي لا يكون لي قطه؟تُحبني حُب  غير مشروط ؟وأسعد بها؟،تتذكر القطه التي كانت عندنا،لا تدخل المنزل أبدا لأن ماما لا تُحبهم،تتذكر كيف كانت سفانه؟لا تأكل الا اذا اكلت القطه.
هذا ليس موضوعنا،دخلت المنزل ،بعد أن فشل تفكيري بأن اشتري لي شيء مميز ،وانتهي بي الأمر أن اشتري "كيس شيبسي"،هذا بؤس يا صديقي.
اليوم كان ثاني أيام الأستفتاء،وكان مكاني اليوم في المعادي،استيقظت بصعوبة شديدة،وكانت عيناي مازالت مُغلقتين وأنا نازلة علي السلم،استيقظت في الخامسه والنصف فجرا علي ضجيج اسرتي،فقد سافروا للبلد استعدادا لفرح بنت عمتي الكبيبرة،وتركوني وحدي في البلد الموحشه ههذه.
استيقظت بعدها في السابعه والنصف،قابلت المحرر في محطة طره الأسمنت،قال أن هناك لجنه ما هناك،ولم يكن،ورجعنا للمعادي،كان هناك مجمع مدارس انتخابيه،فهذا الأستفتاء صديقي،علي الورق هو استفتاء علي دستور كتبته لجنه تُسمي لجنه الخمسين،لكنه ضمنيا هو استفتاء علي شخص السيسي،وهو استفتاء علي 30 يونيو،وهو استفتاء علي شرعيه انقلاب،وهو استفتاء علي تفويض الجيش،أخر ما يمكن أن يكون هو استفتاء علي الدستور طبيعي،فكما تعمل نحن لسنا ببلد طبيعي،لن أُدخلك في تفاصيل،فأنت غائب عن البلد كثيرا،لن تعلم وأفضلك ألا تعلم صديقي.
المهم ترجلنا ودخلنا للمدارس واللجان،بعد أن استأذنا،كانت اللجان فارغه،وقوفت في لجنة منهم مده أكثر من ربع الساعه كي أجد مواطن أُصوره،كانت لجنة الوافدين الوحيدة المزدحمة،وهو نظام جديد،من كان من المحافظات فليأت ويُدلي بصوته هنا.
بعد أن مر نصف اليوم تقريبا،كنت أُصبت بالارهاق الشديد،لم أكن قد أكلت أي شيء،ثم ان الابتسام في وجوه قاسية طول اليوم يُتعب،ذهبنا أنا والمحرر لمكتب كمبيوتر قريب لكي نُرسل حصيلتنا حتي الأن للجريدة،وفعلنا،وقتها عرفت أن مصور أخر ومحرر أخر في المعادي،فكلمتهم وفضلنا أن نرتحل سويا،ذهبنا الي تُرب اليهود،منطقه نائية في المعادي،وظننا أن هناك سيكون اقبال،ولم يكن،بمجرد أن نزلنا من الميكروباص،استقبلتنا سماعات عملاقه في الشارع،تُذيع أغاني وطنية،ولاسيما أغنيه تسلم الأيادي.
لا تعرفها يا صديقي،وان كانت هذه الأغنيه الركيكه قد تم تلحينها وتسجيلها ونشرها في يومان فقط،أيام ما طلب من الشعب المصرى السيس ان ينزل يُفوضه لمحاربة ارهاب مزعوم،لكنه ما لبثت أن تركزت في الاذهان بيوم المذبحه.
فلنترك هذه التفاصيل،كانت السماعات العملاقه في الشارع،دخلنا اللجنة الأولي،فوجدنا عسكري متزمت أبي الا ان يمنعنا من الدخول بحجه أن ممنوع،حتي مع التصاريح التي نحملها،عن نفسي لم أري ما هو مهم بقدر أن أثير مشكلة،وذهبنا،الي غيرها لجنه بجانبها،وجدنا فيها بعض الناخبين،أصبحت مهمه ثقيله عليّ يا صديقي.
قاربت الساعه علي الثالثه ظهرا،لم أرد أن اذهب للمنزل علي قربه،لأ أُحب أن أجلس وحدي بدون أسرتي فيه،ذهبت للمكتب،حاولت اصلاح ما قد فسد،فعلي ما يبدو أن كارت الكاميرا الصغير لم يتحمل ما رأه بالأمس وقرر أن ينفجر بما في جوفه من مهازل تشيب لها شعر الولدان،ولم يحدث جديد،فقد رفض الكارت كل محاولات اصلاحه،وبهذه صديقي ضاع يوم كامل من مجهدوي الجبار.
أما عن اليوم الأول يا صديقي فحدّث ولا حرج،لا أعلم كيف أصف لك هذا اليوم؟،كيف كانت بايته؟هل من اليوم السابق له؟أم وقت أن استيقظت؟،لا تعلم مدي خوفي واضطرابي من هذه الأشياء،لجان وجيش واوامر،وحاثه سابقه،لم تعلم انه تم اعتقالي مره في انتخابات حتي بوجود التصريح وكل شيء،المهم انني يومها لم استطتع النوم جيدا،وظظلت متيقظه حتي الساعه الواحده صباحا أفعل أي شيء ما عدا النوم،ثم استيقظت الساعه الخامسه فجرا بعد أن سمعت الأذان،فتيقظت وصليت الفجر داعيه الله ان يسترها معي،ثم لم أستطع النوم،وتجهزت في الساعه الثامنة صباحا،وتوجهت كما الاتفاق مع المحرر الي لجنة في حلوان،والتي بمجرد أن وصلت رأيت مصور اليوم السابع ومصور زميل أخر يركبن تاكسي ويتحركوا بعيد عن اللجنه،وقد كلمني كريم في اليوم السابق كي نعمل معا،ولم يسعفنا اليوم علي أي حال.
دخلت الي اللجنه قبل ميعاد فتحها بخمس دقائق تقريبا،وأول ملحوظة لي كانت أن الجيش مُتساهل جدا،غير المرات الفائته،وبدأت أشعر ببعض الهدوء،صحيح أنه فاجئني الطابور الواقف أمام اللجنه بداخل المدرسة،وأنا من أعتقدت ان الاقبال سيكون ضعيف،وقتها عرفت انني يجب علي ان اعتزل مهنه المُتنبئة بالأحداث،دخلت اللجنة لكي أستأذن المستشار للتصوير،فقال انه لا يحدث شيء،عندما يدخل الناس ابدأ التصوير،ووقتها جاء المحرر مُتأخرا،وفُتحت اللجان،دخل الناس بشكل طبيعي،وعندما دخلت اللجنه لكي أصور،صور مُعتاده لا ابداع فيها،أُناس ترمي ورقه في صندوق شبه شفاف أصم،لكي يصبغوا اصبعهم بلون الدم،ويخرجوا فرحين مُطمئنيين أنهم قد فعلوا واجبهم تجاه الوطن،ويستمروا في حياتهم،حتي اذا سألهم احدهم لماذا ترتشي ولماذا بلادنا فاسده؟،يقول لانهم وأنهم أما انا فقد ادليت بصوتي وفعلت ما عليّ.
المهم يا صديقي،أنني بدأت العمل الرتيب،امرأه هنا رجل هناك،سعاده أراها ذائفه علي الوجوه،وأًصورها،وعندما حاولت الخروج كانت معركه،كان هناك طابور كبير خارج اللجنة،ورأيت ما يُشبه احتفالا،سيده ما تُزغرط،وأخري تغني،وفتاه صغيره بصورة للسيسي فوق كرسي،فقد  لا تعرف،لكن السيسي هو فرعون مصر الجديد،غدا قد نري عجوه علي شكله.
وجدتها صورة جيده،وقفت علي كرسى انا الأخري وصورت،تهاتف الناس لكي يُظهروا فرحتهم ببلدهم،ننظروا للكاميرا وأكملوا صورتي علي أكمل وجه،بوجوههم المبتسمه وكأن هناك جراح ماهر قد أجري عمليات تجميل للوجه كافه لكي تبدو بنفس الشكل.
قررنا الارتحال بين اللجان ثم البحث عن مسيره رابعه في حلوان،وفعلنا،بعد ان دخلنا اكثر من لجنه ولا شيء جديد لي لكي أصوره،مازلت نفس الوشوش تُطالعني،ونفس اللون الأحمر في وجهيي،ونفس البدله الأمره تأمرني،فعلت واجبي وصورت،ثم جاء وقت ارسال الصور للجريدة،كانت الساعه حوالي الحاديه عشر والنصف،وكنا نبحث عن مكتب للكمبيوتر في حلوان ومعي المحرر،ثم تهيء لي أنني أسمع هتاف يسقطيسقط حكم العكسر،أسكت المحرر وسألته "هل تسمع هذا؟"شاهدنا المسيره تمر أمامنا علي بُعد شارع،جرينا في اتجاهها،بينما الناس تجري منها،بدأ المحرر  يًكلممهم لكي يُرسل لرويترز،وأنا سمعت العربه الرئيسيه وهي تُحذرهم من أي شخص حامل كاميرا،وعرفت أن مهمتي فشلت،لن أستطيع أن اصور اليوم،حاولت أن استأذنهم وأبوا،ظللنا نسير معهم في ذيل المسيرة حامله كاميرتي وأمله أن أصور أي صوره،حتي تعرف واحد ما من المسيرة علي المحرر،وحاولت أن استأذنه،فأخبرني أنني من الممكن أن اصور صورة من الخلف،فقبلت،وبمجرد أن أخذت هذه الصورة،وجدت هرج ومرج،والناس تجري في اتجاههنا،عرفت أن هناك هجوم ما،لكني كنت أكثر هدوءا من كل مره،لم أكن أري غاز،وكنت أعرف يقينا ان بدايه الاشتباكات تكون بالغاز المسيل للدموع،وعلي قد ايلامه لي شخصيا،لكني أستطيع التصرف معه،لكني كم كنت مخطئه،فبد أن وقفت والناس تجري،وحاولت أن اصور،سمعت دوي قنابل وكأننا في حرب،هنا عرفت أن الوضع جد،قررت الداخليه علي ما يبدو أن تبدأ الضرب بلا غاز،جريت مع من يجري،وأنا أُحاول أن احمي ظهري،فأنحني،رأيت الجميع يجري،انحشرنا بين سياره وحائط ولكننا تخطيناه،كنت أفكر في التصوير،هل يجب أن اقف لكي أُصور؟،هل أجري ؟،أين اذهب اذن؟كل هذا لم يوقف تصرفي بأن أقف محتميه بجدار،وأحاول أن اصور،لكن أصوات الخرطوش والأسلحه كانت قريبه جدا،ورأيت شرارها قريب من قدمي،فجريت في حاره جانبيه،رأيت بعضهم يدخل عماره ما،وبمجرد أن دخلت رجلي الأولي مدخل العماره كنت اشتم نفسي علي أغبي قرار اتخذته،لكن لم يكن أمامي أي تصرف أخر الا ان ادخل العماره،لا عوده،كل ما يجب علي أن افعله الأن ان اصلي وأبتهل لله ألا يأتوا الي هذه العماره،كنت محتجزة أنا و7 اشخاص ،سيده وبنتها،وشاب هاديء معه ماسك عليه رابعه،ورجل كبير في السن وشاب متوتر جدا،وطفل،ظل هذا الشاب المتوتر،يتحدث بخوف للجميع،لا تفعل هذا،ادخلي الكاميرا،لا تقترب من حافه البلكون،لا تنظر للشارع،سيقبض علينا،كرهت طاقته السلبيه،وحاولت أن اسكته ولم استطتع،حاولت أن احدث المحرر،ولما رد علي كان يصرخ مُتألما،فقد أُصيب بخرطوش في ضهره،كانت يصرخ وانا لا شيء بيدي،اخبرته اني بخير،وكان دوي الخرطوش تدوي بقربنا،وصوت عجلات المدرعه تقترب وتبتعد مننا.
ظللت اقاوم الأفكار السوداء،عن القبض علينا او اصابتي،فبدأت أُفكر،يجب علي أن اخبر احد ما انني هنا،عرفت مكان العماره والشارع،واتصلت ب ا راندا،حاولت ان يبدو صوتي هاديء،واول ما اخبرتها انني بخير،وان المحرر مصاب،ثم اخبرتها عن الوضع، وأخبرتني وال ما تكلمت،انه لا يهمني الصور،كُوني بخير،وخلي بالك من نفسك،متنزليش من العماره الا لما تتأكدي ان الوضع بقي كويس،واخبرتها اني سأفعل.كنت متماسكه،لكني كنت نادمه ولا اعرف كيف،لم اصور صور جيده للحدث،وكنت كارهه لنفسي لهذا.
بعد دقائق وقد كنت ارتكزت للدور الاخير،نظرت للسلم من فوق،لم أري احد،نزلت دور وراء الاخر،وأنا لا اعلم اين ذهبوا،اول ما خرجت للشارع وجدت ماره أمام العمارة وفي الشارع،فأخرجت الموبايل وتحدثت فيه وكأنني مواطنه تسير،وتخيلت نفسي،أنا مصورة صحفيه،معي اثبات شخصيه،وكنت خائفه،ماذا عن المواطنيين العاديين؟،كلمت المحرر لكي أطمئن عليه،وأنا اري امام عيني المدرعه تجوب الشوارع بحثا عن من تقبض عليهم،وتسألت للحظه ماذا لم لم يكن هذا اسلوب ملبسي ؟ماذا لو كنت بخمار؟،أو عبايه ما؟.
عندما اطمئننت علي المحرر،تسائلت ماذا لو كنت اكملت الجري معه؟هل كانت الاصابه تنتظرني؟،والدخول في العماره كان الخير لي؟.
كلمت ا رندا لكي أخبرها انني بخير،حاولت هي أن تجعلني اعود للمكتب،وأخبرتها انه لا داعي سأكمل اليوم،فأنا كنت بخير فعلا،كنت كمن وقف التفكير ومراكز الاحساس بداخله لكي يُكمل يومه علي خير.
بحثت عن مكتب كمبيوتر،وارسلت بأعصاب مُتوترة صور للجريده،وكلمت المحرر وذهبت اليه،كان بخير.
ذهبنا لمقار لجان في 15 مايو،ثم قررنا الراحه لساعه او بعض ساعه،فذهبت للمنزل وحاولت أن ارتاح ولم استطتع،كنت كمن لا يريد أن يعطي لنفسه وقت للتفكير،لو كنت هدأت للحظه لأنفجرت في البكاء،فلم أفعل.
أكلت مع اسرتي مبتسمه،وتحادثت مع والدي عن اخبار الاعداد،ثم نزلت مره اخري.
حاولنا أن نمر علي لجان لكي نري الوضع ليلا،وكان الارهاق وصل بي مداه،ولم استطتع احتمال سخافات البشر.
فمن ضابط شرطه يلبس مدني منعنا من دخول اللجنه بنظراته الوقحه،تعرف يا صديقي كيف يمكن لك ان تعرف البني ادم من نظره عينه،الي المستشار الذي اراد ان يظهر مظهر الرجل البطل،فلم يجد غيري.
أردت لهذا اليوم فقط أن يمر،وها هو مر يا صديقي،مر كما سيمر هذا الدستور.
مات 11 شخص بالأمس ياصديقي،وكأن كل شيء في هذه البلد يتغذي بالموت،ويبدو انه سيزداد شراهه مع الوقت.
أغالب جفوني المغلقه الأن لكي أنام،وأحاول ان اتجاهل احساس الجوع الشديد الذي يضرب معدتي،لا استطيع تحضير أي شيء للأكل.
وبدأت نتائج الاستفتاء تظهر،أغلبيه باكتساح للسيسي بالطبع،أأقصد ل"نعم"،
أيامي أصبحت طويلة ومُرهقه،وأصبحت مُتعبه يا صديقي.
ألا تأتي وتؤنسني؟انت تعرف أكبر اسراري،حتي وأنا اتظاهر بالقوة والتماسك،أنا خائفه،أخاف الأن وأنا جالسه وحدي،وأخاف من الظلام الذي يسود ليلي،ويسود بلدي،تعرف انني سأترك أنوار الشقه مًشتعله علها تطرد اشباح الليل ولا تفعل.
حتي وان غفلت عيناني في الميكروباص وانا قادمة،لا يعني انني سأنام مرتاحه اليوم.
سأجد كوابيسي في انتظارى،فكُن أنت حلمي الجميل كما أنت ولا تتركني.
دُمت بخير،أفضل مني علي الأقل.
محبتي يا صديق


Comments

Popular posts from this blog

بلورة

monoprint 3

فينيسيا