طُره

صديقي،تمًر عليّ أيام  لا أدري،أأعيش في الدنيا؟أم تعيش عليّ؟
هجرتك أيام قليله،ولن أخون وعدي،سأحكيلك ما يحدث وحدث.
اليوم السبت23-11-2013.
كالعاده بدأ يومي،بعدم الرغبة في الاستيقاظ،تدوم الحوارات بداخل عقلي،لماذا استيقظ؟،وما نفعي،وما هي الحياه؟،وماذا أفعل؟.
غالبت كل هذا واستيقظت،وصلت مُتأخره للمكتب،وكان مُنتظرني أسفل الجريده بالظبط،محرر الحوادث،راكبا لعربه الجريده،وحدّثني،هبه،لا يوجد أحد بالمكتب،وهناك قضيه يجب علينا أن نذهب،أخبرته بأني سأذهب معه،سألت أي قضيه؟، أجب "أحداث رمسيس"فذهب عقلي لأحداث رمسيس يوم الجمعه التاليه لأحداث الفض،وكم كنت مًخطئه،فأستأذنته في دقائق،أُحضر مُعداتي.
بعد دقاائق انطلقنا في الطريق،بمعده فارغه،واحساس جوع،ولا اعلم ما ينتظرني.
وصلنا لسجن طُره الذي يبدو كقلعه حصينه،دبابات في وجوهنا طول الطريق،وصلنا لمدخل المحكمه،منعونا من المرور بالعربه،فترجلّنا،وأنا اتسائل،كيف يكون هناك محكمه داخل السجن؟هل هذا طبيعي؟.
 طالعنا مشهد البوابه الضخمه السوداء مُغلقه بوجوهنا،كانت تبدو كسحابه سوداء في سماء لا نور فيها،وعلي البوابه الصغيره التي تكفي بالكاد لمرور شخص واحد،يقف جثه سوداء قاتمه،كانه غراب من نوع أخر،لم يسمح لنا "العقيد "بالمرور،لكن المحرر أبي الا ان يزعجه علي الأقل،فسأل أسئله قانونيه،كيف يمنعنا من الدخول،نحن صحافه،وكانت اجابات الجثه السوداء،انها اوامر وما الي ذلك،كما انه منع الأهالي بأن يدخلوا المحكمه،وكذا المحامين،ومن أراد الدخول يجب عليه كتابه طلب،بقي المحرر ليًجادل معه،وان كان يبدو انه لا مجال للمًجادله ابدا،توقفت بجانب البوابه الكبيره،وراقبت،شعرت بأن مصر كلها عساكر داخليه،أو مباحث،كل من اراد ان يمر عبر الثقب الاسود كان يُظهر كارنيه او بطاقه  تٌفيد بانه عسكري،ومر الكثير من المواطنيين العاديين،الذين لا يملكون كارنيه،ومُنعوا من العبور،مثل البنت التي ظلت واقفه تسألهم،كيف سأذهب لجامعتي اذن؟،وكان يبدو ان هذه اخر ما يشغل بالهم،نحن كمن يكون صرصار في حياتهم،مهمتهم الوحيده أن يبعدوه ما يقدروا.
وقفنا في مكاننا أكثر من ساعتين انتظارا لفرج يبدو جليا انه لن يأتي،حتي قرر المحرر ان نرتحل ونبحث عن أهالي المعتقلين،قيل لنا أن الشرطه رفضت وقفتهم أمام البوابه السوداء،فذهبوا بحثا عن ثهوه او ما شابه ليجلسوا،كان واضحا اين هم،رمل أصفر يبتلع بضع كراسي مُتهالكه،يجلس عليهم وجوه ساهمه،يبدو عليها الضياع،لم أكن محتاجه أن اسأل،ذهبنا لهم وبدأ المحرر سؤالهم عن من اين أتوا،ومن هم المعتقلين من صفوفهم؟،حتي فؤجئت،هذه ليست أحداث رمسيس التاليه للفض،هذه احداث رمسيس في 5 رمضان،أي قبل الفض بأكثر من شهر،كيف اذن تكون هذه أول جلسه؟،وكيف يكون 104 متهم في قضيه واحده؟،أوقفت أسئلتي غضب حتي أسمع اجابات أهاليهم المليئه بالقهر والحُزن،كيف جمّعوا من بعضهم البعض اموال لكي يتمكنوا من تضوير،فقط تصوير اوراق القضيه،التي كانت فوق ال 7 ألأاف صفحه،سمعت كيف يُعانوا،كيف يدفعوا للقهوجي 40 جنيه فقط لكي يطتب اسمهم في دفتر الزيارات،وكل مره يأتوا من قراهم البعيده لكي ينتظروا بالساعات أمام السجن،ولا يدخلوا الا لساعه واحده،لكن كيف القبض علي ذويهم كانت القصص مهزله.
من كان ذاهب لشراء لوازم عمله فتم القبض عليه،ومن كان يسير في شارع بعيد،فقبض عليه بلطجيه وتم ضمهم للقضيه،ومن هاجمه البلطجيه فاحتمي بالشرطه العسكريه،فحمته يوما كاملا تم سلمته لقسم الشرطه الذي بدوره سلمهم في القضيه نفسها،كان يبدو ضرب من الخيال ان تبحث عن كلمه مرادفه للعدل،او الجزاء،أو الوطن،أي وطن هذا ؟
تسمع قصص ومشاهد من حياتهم،وجميعهم ينطق ملامحهم بالظلم،ينطق انهم مؤمنون وصابرين علي ابتلاء الله.
لم اتمالك الا ان اكون مبستمه امام هذا الصبر والايمان الجميل،الهاديء،الذي يملئه يقين بأن الله لطيف،كانت ابتسامتي تُعذبني،كنت اقول لنفسي كيف تبتسمي أمام هذا الظلم؟،وكان يجب علينا أن نرحل.
عُدت للمكتب،بصور لناس بُسطاء،يجلسون علي رمال مُتحركه،واعلم علم الليقين ان الجريده لن تهتم،ستقل فقط ان القاضي منع دخول الاهالي والصحافه.
لكن بعد دقائق من دخولي،أتي محرر أخر واخبرنا ان وزير الداخليه يُقيم مؤتمر للكشف عن قاتلي الظابط بالأمن القومي،تطوعت بالذهاب،في طريق ذهبنا،فوّت سائق التاكسي من علي كوبرى اكتوبر النزول للتحرير،مع انه كان سيكون أسهل بكثير،لكن لماذا سيكون هذا الطريق الذي يسير بطريقه صحيحيه،يبدو انه لا صحيح يسير في بلادنا.
دخلنا الحصن المنيع،طبعا تم تفتيش الشنط والمرور من البوابات الالكترونيه،لم أكن اشعر بشيء،فقط ظللت أخخبر نفسي أن امامي فرصه لكي أُصُور وزير داخليه مصر،وزير داخليه مرسي،ووزير داخليه السيسي،وزير داخليه المجازر والمؤامرات،هذا فقط ما كان ببالي.
احيانا أخاف من نفسي،كيف أدخل وزاره الداخليه،ولا يكون في بالي أفكار انتقاميه تفجيريه؟،كيف لا احلم بحزام ناسف؟،بكل ما حدث وكل ما عشته وشاهدته؟.
لا اعلم،المهم اننا انتظرنا كالعاده،وعندما جاء الوزير مُحصّن بحُراسّه الشخصيين،وأتي فقط لكي يجلس وعلي يساره شاشه كبيره،يعرض عليها صور لقتلي،مُشوهه،وقاتمه لا تبعث علي التفاؤل،وصور لضباط شرطه،تبدو جميله مُلونه وموجعه،مع موسيقي خلفيه مكونه من صوته الحزين،وتحركات الحُراس حوله.
قطعت صلاه التصوير،وذهبت سريعا جانبا،لكي أبعث بصور للجريده.
كنب فاخر وسجاد فاخر،وقاعه فسيحه،وكأن المال هذا ببلاش،وهنا لم أتمالك نفسي،حيث وأنا بصور تتجسد كل حواسّي في عيني،فلا اسمع ولا احس الا بعيني،لكني لما جلست امام جهاز الكمبيوتر،سمعت،سمعت ووجدت وجع ينغز في قلبي،كأني فجأه عرفت اين انا.
ولم أتمالك نفسي من السُخريه والتعليق بسخريه،كنت أعلم وأشعر بالنظرات الساخطه حولي،كانوا مُخبرين أو محررن مٌخبرين،لكني لم أهتم.
فكرت يا صديقي،بأهالي المعتقلين الذين تركتهم،هماك،والذين كما اتخيل سيكونوا علي نفس الوضعيه لساعات وساعات،ويجلس هذا الوزير بكل هدوء وبكل راحه،لم أحتمل.
هل تعتقد أني جُننت؟قد أكون فعلا.
كنت أضحك،وحتي عندما انتهي المؤتمر،وذهبت لمصور زميل،ووكنت امزح معه،وأقول،يوما ما سيتم تفجير هذا المبني،وسنقول كنا دخله يوما ما.ضحك وتركني وذهب.
رجعت الجرنال،مُهلكه نفسيا.
لم أشعر برجلي تحتي،ووغز قلبي يؤلمني،ماذا في يدي قد افعله؟،
أجلس الأن في غرفتي،واخبار وصور تتدول لبنات جميلات،يبدون كالملائكه،أكبرهن عمرها 22 سنه،أخذن احكام قضائيه تتراوح بين 11 سنه و 14 سنه.
وتهمتهم أنهن تظاهرن الساعه ال 7 صباحا قبل الذهاب للمدرسه،رافعين شعارات وبلالين،بلالين يا صديقي.
هل تري قُبح العالم الذي نعيشه؟،هل تدري كم أنت محظوظ لانك لست معنا؟


Comments

Popular posts from this blog

بلورة

monoprint 3

فينيسيا