يومان

بالأمس كان عالم واليوم عالم،بالأمس كانت حياه واحساس بالقهر،اليوم كان حياه واحساس باللاشيء.
بالأمس كنت في مدينه الصف،حيث غرقت معظم البيوت البسيطه التي تتكون أكثرها من طابق او طابقين،أول ايام العيد،بعد ان انهار الجسر المُبني علي بُعد بضع مترات من المدينه.
ذهبنا مع جوله وزير التضامن الاجتماعي احمد البرعي،وكان ميعادنا في المهندسين حيث مقر الوزاره،كان ميعادنا الساعه  الثامنه والنصف صباحا،هذا ولأننا في مصر ولأنه لا قيمه للوقت،تحركنا من المهندسين قبل العاشره بدقائق،ووصلنا مع دقات الثانيه عشر ظهرا.
دخل الوزير وكأنه سُلطان عثماني،ووقف الفلاحين يُشاهدون وكأن ما يحدث لا يعنيهم في شيء.
أغلقوا الأبواب و منعوا دخول الاعلام،وكأن ما يحدث لا يحدث من أجل التصوير
انسحب الاعلام بشكل مُنظم أول مره يحدث،وعندما شعر المُنظمون بفداحه فعلتهم،رجعوا يترجوهم بأن يُصوروا،وفي الداخل،حيث غرفه استراحه شخص ما في القريه،كان الوزير يبدو تائه،وكأنه لا يعرف أين هو وماذا يفعل؟،أوقفوا الناس طابور،وبدأوا يُنادوا علي أسم اسم،وكان الصوت العالي مُسيطر،وتبدو المسرحيه فقط من أجل الصوره.
وفعلا كان،سلّم الوزير أظرف مُغلقه بها شيك، لعدد عشر أشخاص،ولم يقتنلي شيء أكثر من نظره الأمتنان في عين أحد الفلاحين،وكأن الوزير يدفع له منحه،أو انه يدفع له من ماله الحُر،وكأنهذا ليس دور الحكومه ؟
ويبدو أن ضميري تعبني،فسألت ان كان الوزير سيفعل أي شيء آخر،لكنه جلس ليستريح من عناء مهام عمله،فخرجت من الغرفه المُنمقه الجميله،ووجدت في طريقي طفل صغير،وكان معي مُصوران من اليوم السابع وأخر من التحرير.
فسألنا الولد الصغير عن مكان البيوت المُغرقه،فأخذنا ليكون دليلا لنا،وكل خطوه تبعدها عن الاستراحه المُنمقه،تُقرب خطوه من البلد الحقيقيهه،وتري الوجوه المحفور علي محياها آثار الزمن والتعب.
كانت الأرض وحله من آثار غرقها بالمياه،وكانت أمامك أسوار اسمنتيه منخفضه المستوي،وكانت تبدوا كالمتاهه،ان لم تعرف اين تتحرك،ستجد نفسك في مكان أخر.
وصلنا لمكان،تمتد فيه الأرض الزراعيه،أو التي كانت زراعيه أمامنا،وتجمعت الأسوار الاسمنتيه ،في مكان لتٌكُوّن ما يُشبه حمام السباحه،لانه لا معني أخر له،وأمامه كان حمار واقفا،يحمي اسرتين جالستان علي حصيره في الأرض المُغرقه..
قربنا منهم،وبدأنا بالسلام،ولم يُمهلونا،وبدأوا بالحكي،الجسر،المياه،أيام العيد التي لم تمُر كعيد.
ثم أخذنا الطفل لمنزل تلو الأخر،لتري حتي الأجهزه المنزليه مُحمّله علي الأسره ،لان الأرض ليس مكان أمن.
صعدنا فوق سطح بيت منهم،لنرى المشهد الواسع بكل جماله الكامن في كارثيته.
بيوت غرقت،ويبيّت أهلها في العراء من أيام طويله،ولم تُكلف الحكومه نفسها غير صرف ألفان من الجنيهات،التي سيدوخ بها المواطن لكي يصرف شيكا ما.
بعد الجوله،وبعد تبادل الكلام معهم،تكتشف أن منهم من لن يأخذ حتي هذه الجُنيهات القليله،لأنهم ليسوا محظوظون كفايه،لكي يأتي الجرد حتي عندهم.
وعلي ما يبدو ان الساعه التي صرفها الوزير لهذا المكان،قدانتهت،فقد كلمتني المُحرره تُخبرني أن الوزير تحرك وخرج خارج الخدود،ويجب علينا أن نذهب،لكي نلّحق بالطبعه اليوميه.
ذهبت،وأنا أعلم علم اليقين،أن صوره الوزير وهو يًسلّم الظرف المُغلق سيكون أهم من بيوت غارقه في اهمال سنوات.
وصلت بيتي القاطن في الدور الخامس،جافا ودافئا،وأنا أقول لنفسي،علي بُعض بضع كيلومترات،ينام أُناس في الشارع.
أما اليوم. بدأت يومي بالزهور،ذهبت لبائع الورد تحت كوبرى اكتوبر،واختارت الورد الأبيض ،الورد البلدي الجميل،الذي يفوح منه عطر ربانّي جميل،وذهبت للمكتب لأبدأ يوم جديد.
فتم اخبارنا باهتمامهم بذهاب مُصوره ومصور لجامعه الأزهر حتي يتم تقسيم العمل،تصوير البنات من اختصاصي،وتصوير الأولاد من اختصاص المُصور.
وجاء معي علي،وعلي مُصور هاديء الطباع،مصور ممتاز وتجربه العمل معه كانت مُريحه ومُثمره.
تحركنا في تاكسي في اتجاه ميدنه نصر،وبمجرد أن وصلنا قبل بوبات الجامعه الرئيسيه،وجدنا مئات الطلبه تخرج من البوابه للشارع،و تبدأ يومك غالبا من هذه اللحظه وأنت تقرأ ما تُطمئن به قلبك.
كانت تبدو الخطه مرسومه بديهيا،فقد تركت علي بالشارع مع من خرج،ودخلت أنا الجامعه بالداخل،فقد تجمع الأخوات مع بعض الاخوه في وقفه كبيره بداخل الجامعه،حاولت أن اتفادي شمس الظهيره الحارقه وصورت،وبعدها بدقائق تناهي الي سمعي أصوات طلقات نيران،وبين جري من طُلاب و شُحنات توتر تسري في المكان،مع هتافات "اثبت"،فكرت في التصرُف الأمثل،هل أقف مكاني واُصور رد الفعل هنا؟،أم أخرج للخارج لأري ماذا يًمكن فعله؟
و عندما وجدت أن الأمور مًستقره لحد ما،خرجت لأستطلع الأمور،وجدت الطلبه تجمعووا أما السلك الشائك/منهم من يرفع علامه رابعه أمام جنود الجيش،ومنهم من يتحدث معهم،ولم يبد علي الجنود اي تحفذ.وهنا وجدت علي،فأتفقنا علي الخطه،نُصور الصلاه امام السلك،ثم أمامنا نصف الساعه نُصور ونلتقي امام باب الجامعه،وان حدث لا قدر الله ضرب أو اشتباكات فميعادنا علي تلاقي تليفوني.
وتوكلنا علي الله،وجدت صور لطيفه للطلبه امام الباب،بعد أن ابتعدوا من أمام جنود الجيش،صوّرت حتي بدأت أجواء احتفائيه في الظهور،فشعرت أنه آن أوان الرحيل،فلاشيء سيجدث، وكم كنت خاطئه.
فبعد أن وجدت المصورين جالسين علي رصيف جانبي ولم نكد نتبادل كلمتين،حتي آثارت اهتمامنا صورت سارينه الأنذار المميزه لعربه الشرطه.
اتفقنا علي وأنا أن نظل معا،وعندما تحركنا قليلا للأمام، بدأ ضرب الغاز،ولم يكن ضرب تحذيري أو ضرب بهدف التفريق،فكانت عيني تري القنابل تلو الأخري تٌطلق وتنزل علي الأرض وتلتهب الأرض بدُخان أبيض،وكمن وقف في منتصف فوهه بُركان يستعد للانفجار،كنت أنا.
كانت الكاميرا أمام عيني،وحاولت طمأنه قلبي المُلتاع،صورت صور لطُلاب تنطلق أرجلهم سباقا للحياه.
وبدأ سباقي أنا،بعد أن بدأ تأثير الغاز عليّ،ولكن ضاق صدري بشكل غير سابق،وبدا التنفس الطبيعي حلم بعيد المنال،كانت عيني التي لا تري أقل مشاكلي.
ناديت علي،وحتي لحظتها لم يتركني ضميري،وجدت الصوت يهتف بداخلي،كفي ضعف واتكاء علي الغير،علي مُتأثر مثلك تماما،كفي تخاذل واعتمدي علي نفسك.
أسكت هذا الصوت بمجهود فقط لأن اجتياز الطريق كان يبدو أصعب من اجتياز البحر مشيا،كانت لوثه الجنون أصابت السيرات 
 من جراء البُركان الابيض الذي استشاط غضبا خلفنا،ونحن نعبر الشارع عُميا مؤقتا.

كانت الكاميرا صديقتي مازالت في يدي،حاولت أن أصُور أثار المعركه،من شباب وقفوا يُحاولن ان يلتقطوا انفاسهم،وأخرين يُحاولون انعاش صديقا لهم،يبدو ضعيف،لكني فُقت علي صوت شخصا ما،يُحذرني أن الشرطه تقبض علي أي شخص في هذا الاتجاه.
أدخلت الكاميرا سريعا في الشنطه،ودخلت مكان يبدو محطه كهرباء،هربا من ما رأيته أمام عيني،شوم وأُناس غُلاظ يقفون بالمرصاد،دخل معي علي وسيده خمسينيه تبدو تائهه.
وقفت السيده تُحدث ابنها لتُخبره بمكانها،وكلمنا المكتب نُخبرهم اين نحن.
 لكن اختبائنا في مكان مُغلق،ويبدو الرجال الواقفين أمام الباب،متوترين أكثر منا نحن.بدا اختيار غير موفق.
بدأ علي في تدخين سيجاره،يُذكرني بوالدي،في أحلك الأوقات تبدو السيجاره حل مُناسب،يُفرّغ فيها طاقه وتفكير.
وبدأ الشك يتسرب لنا،مهما كان سُمك الجدار،لكن كانت تصلنا أصوات القبض والضرب،ونحن نرغب في الخروج،لانه يبدو وضع غير مُريح.
وكان كلما ابدينا رغبتنا في الخروج تحجج شخص منهم ان أعيننا تبدو حمراء ،فانتظروا قليلا،أخرجنا كارنيهات الصحافه احتياطي،لا أحد يعلم ما قد يحدث.
وعندما اقترح شخص منهم أن نستريح في مكتبهم، أصّر علي بأن نخرج.
لكن شخص كبير السن بدأ في الصياح،بأننا بهذا نؤذيه شخصيا،وأنه تستر علينا،ولم يشغل تفكيري أي شيء غير أن من يقف خلف الجدار سيسمعهوسيأتي ويأخذنا،وبدأ خيالي في العمل بطلاقه،تخيلت أسوأ الظروف.
سيتم تسلمينا لهم علي طبق من فضه،وانتهي الأمر.
لكن في وسط الصراخ منهم وهدوء ظاهري من علي،وترديده بكل بساطه،نحن خارجين من هنا،وجدنا طوق النجاه في سياره تابعه للمكان خارجه خارج اسواره،فذهبنا له وطلبنا أن نخرج معه،انحشرنا بالعربه،أنا بجانب الشباك،وحشرت الشنطه بين رجلّي،وعلي بجانبي وفعل مثلي مع حقيبته،وبجانبه السيده الخمسينيه.
وخرجنا من الباب،ولم يتركني خيالي ،هل سيتركونا نمر هكذا ؟
لكن يبدوا انهم كانوا مشغولين بشيء اخر،فمن الشخص المُمسك بهرواله ،لشخص مُمسك بشيء اشبه بكرباج،و يًطوّح به في الهواءنويجري جري وحوش ليقبض علي طالب،لسنا ذو أهميه.
وبدت المترات القليله التي قطعتها العربه بعيدا عن المكان،كمن خرج من جحيم لأمان.
فمنظر المواطنيين العاديينينتظرون اتوبيس ما،أو مواصله،و المحال المفتوحه،كانت تبدو الحياه عاديه هنا.
أخبرت علي ،الذي يبدو متماسكا ،أني عطشي جدا،فكانرده،أن نركب التاكسي عطشا أفضل من أن نتوقف.
وجدنا سائق يرضي بأن يقلنا بصعوبه،وعندما ركبنا،أدركنا موقفنا،نحن خرجنا سلميين الجسد والمًعدات،ومعنا صور صالحه للنشر.
أجلس الأن في منزلي،بعد أن تم القبض علي أكثر من 25 طالبا،أثار الغاز ما زالت في قفصي الصدري،تبدو الكُحه التي تجتاحني كل فتره أسوأ من ذي قبل.
لكني سأنام في سريري.
كان الله في عون من سيبات في حجره مُظلمه يعلم الله بأي حال.

Comments

Popular posts from this blog

بلورة

monoprint 3

السنه الجديده