طره 2

صديقي.
اعتادت رجلي علي سجن طره،ذهبت يومين بالتوازي،وسأذهب غدا فاتمهم ثلاث.
ذهبت يوم السبت 6-12-2013.
لم أكن أعرف الطريق،تقابلت مع المحرر علي محطة المترو القريبة،وأسقلينا "توك توك"لا تعرفه أنت ،ولا وصف له الا مركبة من ثلاث عجلات،وهشه كالبسكوت ـتستطيع أن تقلبها بيد واحدة
ذهبنا ليستقبلنا جحافل من البشر،واقفه صفا واحدا،لا تكاد تراها من هول الدبابتين المُتمركزين حلوهم،كان مدخل للزيارات بالسجن،لم أكن أعرف هل بدأت الجلسه ام لا،فنحن هنا من أجل محاكمه محمد البلتاجي وصفوت حجازي.
لم أكد اقترب من البوابة،حتي وجدت من يوقفني،كان مصور الوطن،وضحك "داخله كده علي طول؟" واشار لي أن ممنوع دخول المصورين الأن.
فوقفت معه ومع الزملاء المصورين،دخل المحرر وأخبرني بانه سيتصل بي ان حدث أي تطور.
وقفنا بالخارج،ولم تمر حتي ال 30 دقيقه،كنا داخلين من البوابه،وبالمناسبة هذه بوابة بُنيت في منتصف شارع عمومي،فقط لأن معهد امناء الشرطه يقع في نصف الشارع.
هذه ما أصبحت عليه بلدنا يا صديقي.
دخلنا،ترجلنا أقل من 5 دقائق وكنا أمام بوابه أخري،وطلبوا الكارنيه وتفتيش الشُنط طبعا.
لكن ولأن الله يًساعدنا حتي ولو بابتسامه،عندما مرت شنطتي من الجهاز الالكتروني للكشف عن محتواياتها،ولما كانوا هم مانعين دخول اجهزه اللاب توب،قال لي ظابط الشرطه،شنطتك بها لاب توب،أجبته بالنفي،لم أحضر مع أي لاب توب.لكنه طلب تفتيش الشنطه بيده.
فأخرج "هادر ديسك" وسأل ما هذا؟،اخبرته هارد،قال لاب توب؟،فابتسمت وقلت لأ،هذا هارد،"عارف الفلاشه؟،دي فلاشه بس أكبر شوية"،شعر وكأني أسخر منه،فسأل اذنينفع تصوري بيه؟،ولن يدخل،ستدخلين بالكاميرا فقط،وشاور علي كاميرتي الصغيره،الفيلم،فضحكت وأخبرته"هذه ليست الكاميرا المطلوبة"،ولكي أُريحه،أخبرته،سأترك الشنطه بأكملها،وسأخذ الكاميرا فقط.
وأخذت كاميرتي الحبيبه،حملتها علي كتفي برفق،ومشيت،في ممر،وعساكر الأمن المركزي،يمينا ويسارا،لا يفرق بينهم الا ثلاث خطوات،وكانت أعينهم تتابع الداخلين واحدا واحدا.
دخلت باب المحكمة،أخبرنا الأمن عن مكاننا،وأننا لا يمكن لنا تجاوزه،وهو مكان بعيد عن قفص الأتهام ببضع امتار،فبدأت اُفكر ماذا سأفعل؟،لا يوجد معي مُعدات تسمح لي بأن أكون علي هذه المسافة من القفص،وأن أفوز بصور جيده.
تمنيت من كل قلبي،ودعوت الله كثيرا أن تحدث المعجزة.
مرت دقائق ودقائق،و أُدخلوا للقفص،وبدأ البتاجي متحدثا وكأنه يبعث رساله للناس ،وبدأها بنعي لموت نيلسون مانديلا،وتحدث عن حرائر الاسكندريه،وكم كان صوته باكيا،عندما تحدث وسط كلامه قائلا"كيف تُحاكموني بتهمه تعذيب ضابط شرطه،ولم يتم التحقيق في مقتل اكثر من3000 مصري،منهم بنتي،اسماء محمد البلتاجي"،تذكرت أسماء،وكيف كانت صديقه لأصدقائي،شعرت بالتعاطف الشديد معه،ممزوجا باعجاب..
كنا نحن علي بُعد منهم،كلما سكت تصدع الغرفة بصوت كاميراتنا،واقفين كتفنا في كتف بعض،فسمعت صديقي مصور قائلا"والله صعبانيين علي"،وكان هذا المصور ممن ضربهم الاخوان في المقطم،أمام مكتب الارشاد،لدرجه أنه بقي في منزله فتره طويله مجبسا رجله،فذكره أحد المصورين"مش انتي الي كانت رجلك مكسورة في المقطم؟"أجابه"ايوه،بس مش هم دول الي كسروا رجلي".
بقينا في جدال،ونتحدث قليلا ونُصور كثيرا،وبقي ظباط الشرطه يحومون حولنا،كل دقيقتين يُأكدون علينا،ممنوع تصوير الفيديو.
فنخبرهم أننا لا نصور فيديو،لكنه أثار فضولي.
دخلت هيئه المحكمه،ولم يكن ساكني القفص قد فرغوا من الكلام بعد،بل زاد عليه من دخلوا من الأهل،فكنا مهتمين بتصوريهم أيضا
عندما تأخر الوقت بدأت في القلق،يجب علي أن أذهب للجريده،ومع ذلك لا أعرف ما قد يحدث ان أنا تركت المحكمه وذهبت.
ثم أخذت القرار،وكانت قاعدة ذهبيه.
المصور الممتاز،من يُقدر متي يكفي؟ومتي يجب أن ينصرف.
فأنصرفت،وصلت بعد عناء في الطريق الي الجريده،ولانه حدث مهم،فأخترت أفضل صوري،وبعثتها لوكاله أجنبيه علهم يختاروها،وكان وقتها بدأت الأخبار أن حرائر الاسكندريه قد أخذوا برائه،تتذكر؟ من قُبض عليهم لأنهم تظاهروا في السابعه صباحا؟في الالسكندرية؟
ايا كان،لا تعلم كم من قًبض عليه في الايام الماضيه.
المهم يا صديقي،أن هذا اليوم كان مليء بالأحداث،بعد أن ارتحلت من المكتب،كان هنالك العزء الذي يجب علي أن أذهبه،ولكني أنهيت عملي وما زال باقي لي 3 ساعات علي الأقل،فكنت في وسط البلد،تمشيت وحاولت أن أضيع الوقت،وقابلت صبري الحزين،كانت الحياه ومازالت صعبة علي الجميع.
وعرفت كم قد يكون الكلام سخيف،خاصه عندما تريد به أن تُريح شخص ما،فالكلام لا يُريح.
صديقي،لم أحك لك عن علي،لكن لك أن تعرف كم كان عزاه مُريح وهاديء وجميل،كم كان يصدع صوت الًمنشد في جُنبات جامع عُمر مكرم. 
كيف كانت الابتسامات لأُناس لم يتقابلوا من فتره،وكان موته من جمعهم،كانت الأحضان مواساه،والأيادي تُهدي الحب للناس،لمسات بسيطه علي كتف هنا،ولمسه بسيطه علي وجنات،كان المكان مُعبأ بالحب.ولا شيء غير الحُب.
حاولت أن أستأذن أكثر من مره وأرحل لبيتي،لكني كنت مستمتعه بدفيء غير عادي،كان المعظم يلبس اللون الأسود،لكن بقي الحُزن في العيون أعمق بكثير.
لم يكن من أحد أن يذكر علي من قبل الا وأقول،لقد غير حياتي،عرفني علي ناس لم أكن سأعرفهم بأي طريقه أخري،فتح لي مجال لم أكن أعرفه،و كنت أقول كلام ما،وحتي وأنا أِشعر بنفسي تافهه،لكني أُصدقه،أن علي طاقه،وبداخل كلا منا جزء منه يعيش،وان مات جسده.
و بقي لي يوم أخر مُتعب في انتظاري،وان كنت واقفه أمام المسجد،أشعر شعور عجيب،خرج معظم المُعزيين لخارج الجامع،يتحدثون ويضحكون باستحياء قليلا،وتذكرت،مات نيلسون مانديلا قبلها بيوم،وكانت صور الوكلات تكتب تحت الصور،"أهل جنوب أفريقيا يحتفلون بموت نيلسون مانديلا"،وان اختلف الوضع،لكنأتمني أن يحتفل الناس بموتي،ولا أعرف كيف.
تذكرت وقتها الوصيه التي كتبتها أيام المجلس العسكري،أوصيت الناس ان يتصوروا،وأن يأكلوا أيس كريم في جنازتي.
كنت أُراقب ا راندا،تعرفها يا صديقي،كنت أُراقب تحركاتها وكلامها مع الناس،كم كانت هي أم حنونة،وقلبها يزيد اتساع،وقلقت عليها من الوحدة،الأن كل الناس حولها،لكن في لحظه ستُلهي الحياه الناس ويرحلون كلا الي عمله وحياته،وقلت لنفسي،هنا يجب علي وعلينا ان نكون حاضرين دائما.
رحلت من العزاء،وأنا ادعي من كل قلبي،وأُئمن الله،بأن ينزل سكينته علي قلب ا راندا ورنوه،وأن يهديهم ويلهمهم الصبر.
رحلت لأن يومي التالي كانت رحله لطره ايضا،كنت قد عرفت مقدار المسافه،استيقظت مُبكرة كالعادةة،كلمت المحرر وانا علي محطه المترو،لكنه كان باقي له ربع ساعه،خفت أن أتأخر،فأخبرته أني سأسبقه،ذهبت وكنت امام سجن طره الساعه 10 صباحا،وتخيل يا صديقي اني رحلت من هناك الساعه ال 5 ونص مساءا،بدون صوره واحده.
قضيت وقت طويل جدا،بين جلوس علي الأرصه،نُغالب الشمس التي أصرت أن تحرقنا،وان بقينا في الضل يلسعنا هواء الشتاء.
تحدثنا وضحكنا،ذهب بعضنا لشراء ساندويتشات الفول،ثم ذهب وأِتري موز.
وأكلنا لب،وتعرفنا علي ناس جديده،وكل هذا لم ندخل لمحاكمه احمد دومه واحمد ماهر،وهم كما قد لاتتخيل عمرك محبوسون في قضيه تظاهر،أي ان النظام ترك من قتل وسرق وسجن وعذّب،ويُحاكم من دعي للتظاهر.
بقينا بالخارج وقت طويل جدا،تغير ضل برج الحراسه حتي أختفي،وظهر ضله الواقع من عمود النور القريب.
صغر ضل الشجره واختفي،ثم ظهر مصفرا.
شعرت بأن دول قامت وانتهت ونحن في مكاننا.
وكان لابد لي أن أُحدث صديقتي دينا،وألغي ميعادنا،كُنا سنتقابل بعد مده طويله لم نري بعضنا بعض،حياتي تتوقف ولم ندخل للمحكمه.
وعندما خرج المحررون من داخل المحكمه،وكانت الاخبار ان مازال اامنا ساعتين أخري،لم أستحمل،كلمت الجريده واخبرتهم أن طاقتي انتهت.
وكانت رحمه ربي بي كبيره،فأخبرني أحمد أن أذهب وهو سيتصرف،لكني يا صديقي وقفت أمام السجنباحثه عن وسيله مواصلات لحلوان،ما يقارب النصف ساعه،صرخت رجلي حتي الصمم.
لم أكن سأتحمل أكثر.
وصلت البيت وأنا في منتهي الاعياء،لا أتمني أكتر من أن ينفرد جسدي علي سطح مُستوي.
وكان اليوم التالي أجازتي،فحمدت ربي.
بعد أن استرحت قليلا،هاجمني احساس الذنب،وأعدت التفكير،وبقي هناك هذا الصوت يُحدثني،خاصه عندما قرأت اخبار دخول المصورين للمحكمه والتقاط الصور.
"يعني يا هبه استحملتي 7 ساعات مكنتيش قادره تستني ساعه كمان؟،كل تعبك راح علي الفاضي وكأنك معملتيش حاجه"،ولم يرحمني هذا الصوت.
فلم يكن أمامي الا أن أخترت فيلم كارتون يبدو ظريفا،وألهيت نفسي وصوتي به،وكان فيلم لطيف.
نمت،بكوابيسي المُعتاده.
ثم حدثني ميموني الأن،غدا سأذهب لطره مره ثالثه،ولكن هذه المره مُحاكمه بديع،هل ستكون مثل أول مره وندخل بعدها بدقائق،أم سنقف بالخارج لساعات؟
يارب ألطف بمبستقبلي اليومي،وأرحم رجلي وعقلي من أصواتها.


Comments

Popular posts from this blog

بلورة

monoprint 3

السنه الجديده