الصف

صديقي.
مرّ كثير ولم نتحدث،لم أفضي لك بمكنوني،قد يكون هذا لأن مكوني قد أصبح عصّي حتي عليّ،هناك ما حدث ويحدث،وهناك ما يحدث بالتوازي داخل عقلي،وأصوات لم أعد أستطيع فهمها،ولا اسكاتها.
كيف لي أن أحكي ما يحدُث حولي وأنا نفسي لا استوعبه،كيف أحكي لك عن الغابة التي أصبحنا ووجدنا أنفًسنا فيها؟
نحن الحقيقه لم نجد أنفسنا فيها،بل صنعناها،وصلت لدرجة كبيرة جدا من السلبية،لا ألوم علي أحد ولا اهتم،فليلعن أي منهم أي منهم.
مُؤخرا حدث الكثير،لم أحكي لك عن يوم الصف وما حدث،كنت ذهبت للصف من قبل أثناء انهيار جسر وغرق القرية والناس في المياه،ولا وجود لحكومة او بلد.
المهم ان هذا كان بعيد،أما القريب فكان دخول محرر من قسم الحوادث وأخبرنا بحدوث حادث علي طريق الصف،واننا ذاهبين لعمل أحاديث مع أهالي من مات.
وكنت قد وصلت لحاله نفسيه سيئه،وكان هناك ما تحمست له،كان فرصه للسفر لرام الله،مسابقه تابعه لنقابه المصورين الصحفيين،واليوم أخر فرصه لارسال الصور،وعندما حسبتها،الصف تقع بعد حلوان ب 30 كيلو،فكيف لأحد أن يذهب ويثور ثم يعود للجريده بالمهندسين لكي يذهب بيته؟،تطوع علي بأن يذهب لما وجد قد ظهر علي الضيق،لكني أصررت،بدأت المشاكل لحظتها،فقد سألت المحرر هل هذا الخبر للطبعة الأولي،وعندما يُجيب بالايجاب،فيجب عليّ،أن أأخذ معي جهاز اللاب توب،ففعلت،وجهّزت كل حالي،الكاميرا واللاب توب وكل شيء،وأنتظرته مُكدرة،وكما هي العادة فالمحرر صاحب الفرح،يجب عليه أن يمر علي المصور.
فأنتظرت حتي أتي بعد ما يقرب الربع ساعه،وكان بعد أن خرجت فوجدت المحرر يعمل علي شيء ما،فتركته،وكان الاتصال من الاستقبال بالأسفل،يُخبروني بأن السياره جاهزه وان المحرر يُخبرهم بأنه مُنتظر للمصور،وكنت أنا المُخطئه،فخرجت وكأنه مٌفاجيء،سألني جاهزة؟
فلم أتمالك نفسي وأخبرته،جاهزه من أكثر من نصف ساعه،كان يجب عليك أن تهتم وتأتي،خاصه انه أخبرنا،سأجمع أشيائي وأتي،لكنه بالطبع قال انه لم يقل.
لم تكن تفرق معي وقتها،كنت أريد أن أذهب وأن ينتهي هذا اليوم،خاصه اني أريد أن أبعث بالصور للمسابقه قبل غلق بابها في الساعه الثامنة ليلا.
ركبنا السيارة وكان أمامنها طريق طويل،فتركت الشباك مفتوحا،وسمحت للهواء أن يُحاول محاولته بلسعته الباردة قليلا،بأن يُهديني قليلا من أسراره،علي أبتسم او أكف عن التفكير.
كان الهواء جميل،لكنه فشل في مهمته،غفلت ونمت بكوابيس،واستيقظت فزعة علي صوت غليظ من المُحرر الغير لطيف،يُخبرني فيها ان هناك حادثة علي الطريق،وكأن هذه هي الطريقه التي قرأها في كتاب" كيف تُيقظ النائم بهدوء"عجب.
سألته هل هذه هي الحادثة التي نحن قادمين من أجلها؟فأجاب بالنفي،فبدأت وقتها أشعر انه يبحث عن أي شيء والسلام.
كنت قد استيقظت ولا أمل لأي شيء اخر،فصببت أهتمامي علي الساعه،وظللت لوقت ما أحسب الدقائق لكي ينتهي بي الأمر قبل الساعه الثامنه في المنزل،مُرسله صوري،كانت الساعة قد قاربت علي الثانيه ظُهرا وولم أصور شيء بعد.
لكنه منعني حتي عن الاسترسال في التفكير عندما أوقف السيارة أمام قسم شرطة الصف،سألته هل أأتي؟ فاجاب بالايجاب،سوف نأخذ عنواين الناس من المأمور.
فذهبنا لمكتب المأمور،وسألته سؤال عادي،الساعه الأن الثانيه والربع،وانت قلت أن هذا الموضوع للطبعة الأولي،وقد أحضرت اللاب توب مخصوص،لن نستطيتعع ارسال اي صور؟فأجاب بصورة ساخرة وكأنه يتحدث لطفلة صغيره،"وانتي متضايقه انك شايله اللاب توب،ما أنا شايلة اللاب توب بتاعي؟"،فأثرت السلامة،ولم أجب عليه.
انتظرنا بالخارج قليلا لكي ندخل لسياده المأمور،وعندما دخلنا،كانت الغرفه مًظلمه الا قليلا،يدخل لها بعض أشمعة شمس مسروقه من شباك خلف مكتب المأمور،وعلي شماله يقبع تليفزيون لا يتحول عن قناه اون تي في،مكتب كبير وان كان خاليا،وكأن له استخدام أخر،كيف يكون هناك مكتب بهذا الحجم بدون حتي ورقه عليه؟،لم أهتم،استقبلنا المأمور،وأجلسنا علي الكراسي المٌقابله للمكتب،كراسي فاخره،وبدأ المُحرر كلامه،ولشخصيه تعتقد أنها مُتحدثه لم أنطق بكلمه طول الوقت،حتي عندما قيل أمامي كلام قد يدعوني للتخلي عن أدبي وأخلاقي،ولكني لم أفعل.
جذب فكري كلام مُتعلق بالتصوير،فقد طلب المحرر من المأمور ان يدله علي المُتهمين في القسم لكي يصورهم ويتحدث معهم،لاننا بدأنا في تحديث الجرنال،وأصبح عندنا صفحة حوادث يوميه،وهو يُريد أن يُطعمها،ويا حبذا لو كان رجل قتل طفلته،او امرأه قتلت عشيقها.
لم أحاول أن أُعلق بأي شكل،كنت اُحدث نفسي بداخلي،وأهدي من روعي وأتخيل نفسي بعد ساعتين او ثلاثه علي الأكثر،سأكون في بيتي.
بعد أن كان خاب أمل المحرر في أن يري قصه مُشوقه،دخل ظابط شرطه قائلا ان هناك فتاه قبضوا عليها وهي بحوذتها 5 كيلو بانجو،وما كان من المحرر الا ان شعر بأنه وجد صندوق بندورا المعجزة وأنه سيموت ان لم يفتحه،فاستأذن المأمور ان يُحدثها وأن نصورها،فذهب ليُحضرها،وما كان مني الا ان تحدثت لأول مره منذ أن ولجنا من الباب،واخبرته بأني سأستأذنها وان لم توافق فلن أصورها،لم يٌعلق،وان لفت هذا نظر المأمور فسألني وأخبرته بكل وضوح وصراحه" لما بصور عسكري ف يالشارع بستأذنه،ولما صورت حضرتك كنت موافق،فأنا هستأذنها ولو موافقتش مش هصورها"،كانت هناك  ابتسامه ساخره علي جانب فمه،وقال شيء ما عن الاخلاق لم اتبينه بشكل صحيح جائت الفتاه وملامح البؤس تطبع علي ملامحها،بدأ المًحرر في استجوابها،ولم أستسخ هذا علي الاطلاق،اخبرتها اننا جريده وهل لي أن اصورك؟
قالت لا الله يسترك،فكيف لي ان اصورها عندها؟
فأخبرتها ان هذا من حقك،ولن أفعل.
وما كان من المحرر  لكي يُنهي قصته الساخنه،أن أكمل استجوابها،ماذا كان رد فعل عائلتك عندما علمت بخبر اعتقالك؟،كنت أردد لنفسي،هذا لا يمكن ان يكون صحفي،هذا كٌفتجي،تم القبض علي السيده منذ نصف ساعة فقط،ولكنه أكمل،وظل يبحث عن ثغرة انسانية،تصلح لمانشيت ساخن علي صفحات جريدة حوادث اليوم.
وعندما أنهي مُهمته العالمية،وظللت أسأله،هل انتهينا؟فينظر لي شذرا،ويقول نعم.
ثم يستمر في كلامه مع المأمور طبيعي جدا.
ظللت مُحتفظه بعهدي أمام نفسي بألا انطق كلمه واحدة،وعندما ركبنا السيارة،وكنت أتطلع للساعه كل حين وأخر،لكي أُدرك ميعاد المُسابقة،لم أنطق كلمه واحده في السياره حتي بدأ هو،بمجرد ان تحركنا في طريقنا خارج الصف،نظر لي،وقال"ليه مصورتيهاش بقي؟"،وكانت اجابتي طبيعيه ومنطقيه،"انا قولت فوق،انا نفس الشخصيه علي فكره،انا بستأذن اي شخص اصوره وهي مش ااقل من اي حد"،لكنه استهذيء بس طبعا،واخبرني لو تعاملنا بهذا الشكل لن نُنجز أي عمل،ثم بدأت وتيره كلامه في اتجاه الاهانه،وكانت اعصابي تصرخ،بعد أن كتمتها لساعات طوال،فطلبت منه قطع النقاش،لانه لن يصلنا الا الي زعل.
واستأذنت السائق أن يتركني في حلوان،لكي أستقل تاكسي حتي المنزل،وعندما ركبت التاكسي،اتصلت بعلي زميلي،وأخبرته بما حدث،فقط لكي أُفاجيء في اليوم التالي انه قدّم في شكوة،وعن امتناعي عن العمل،وكيف انني تركته في حلوان.
كان بمثابه مسرحيه هزليه،لم أرد ان اشترك فيها،لكنها فُرضت عليّ.
وبدأت من يومها التفكير بانه يجب علي ترك هذه الجريده،رأيت وعشت بما فيه الكفايه،ولم أستطتع التحمل أكثر.
لكن قُل لي يا صديقي،وماذا أفعل في الحياه؟ان كان كل ما أُجيده هو التصوير،وبدأت مرحله الدعاء ،لكي يُنير لي ربي طريقي،ويُرسل لي اشارات اتبعها.
لانه يعلم كم تعبت.
أطلت عليك صديقي،وان كنت تعلم علم اليقين اني لا اُخبرك بكل التفاصيل.
دُمت بخير.

Comments

Popular posts from this blog

بلورة

monoprint 3

السنه الجديده